بقلم الفقير
علي محمد علي جنيدي
حفظ القرآن الكريم من أعظم الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في حياته، فهو كتاب الله المنزل، والمصدر الأول للتشريع والهداية، والكلام الذي أنزله الله نورًا وهدايةً للناس أجمعين. لكننا نلاحظ في هذه الأيام أن البعض قد يربط حفظ القرآن بالامتحانات أو الحصول على الشهادات، دون أن يدرك أن القرآن هو في حد ذاته غاية عظيمة تفوق أي هدف دنيوي.
عندما نتأمل في حقيقة حفظ القرآن، نجد أن أهم ما يمكن أن يدفعنا لهذا العمل هو الرغبة الصادقة في التقرب إلى الله عز وجل. القرآن ليس كتابًا كباقي الكتب، بل هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. كل حرف من حروفه له أجر عظيم، فالنبي ﷺ قال: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها". هذا الثواب العظيم لا يكون فقط لمن يقرأ القرآن، بل أيضًا لمن يحفظه ويرتله عن ظهر قلب. حفظ القرآن يُعدّ من أفضل القربات التي يمكن أن يقدمها المسلم لربه، وكلما ازداد المسلم في الحفظ كلما ازداد قربًا من الله.
لكن الأهم من الحفظ هو النية. لماذا نحفظ القرآن؟ هل نحفظه فقط لأننا نريد النجاح في الامتحانات أو الحصول على شهادات؟ أم نحفظه لأننا نريد أن نكون من أهل القرآن الذين قال عنهم النبي ﷺ: "إن لله أهلين من الناس"، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته". هذا هو الهدف الذي يجب أن يسعى إليه كل مسلم عندما يبدأ في حفظ القرآن. أن يكون من أهل الله وخاصته، أن يعيش مع القرآن ويتأمل في معانيه، ويعمل بما يحفظه، ويتدبر كل آية من آياته.
القرآن الكريم ليس فقط كلامًا نحفظه، بل هو نور يضيء حياتنا ويهدي قلوبنا. عندما يحفظ المسلم القرآن لله، يشعر ببركة عظيمة في حياته. يشعر بأن القرآن يفتح له أبوابًا لم يكن يراها من قبل. يرزقه الله من حيث لا يحتسب، ويكون القرآن رفيقه في كل خطوة يخطوها. النبي ﷺ قال: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه". تخيل أنك تحفظ القرآن ليس فقط لأنك تريد النجاح في الامتحان، بل لأنك تريد أن يكون القرآن شفيعًا لك يوم القيامة، يدافع عنك أمام الله، ويشهد لك بأنك كنت من أهل القرآن.
القرآن هو منهج حياة، وليس مجرد نص ندرسه ونحفظه من أجل الامتحانات. حفظ القرآن بنية التقرب إلى الله يجعل للحفظ معنى أكبر وأعمق، ويجعل الإنسان يشعر بمسؤولية أكبر تجاه ما يحفظه. فمن يحفظ القرآن يجب أن يكون ملتزمًا بأحكامه، عاملًا بما فيه، مجتهدًا في تطبيق تعاليمه. أما من يحفظه فقط للامتحانات، فقد يجد نفسه بعيدًا عن هذه المعاني، وقد ينسى ما حفظه بعد انتهاء الامتحان.
القرآن الكريم يحتاج إلى صبر ومثابرة. حفظه ليس أمرًا سهلاً، لكن الله وعدنا أن القرآن ميسر للحفظ، فقال: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر". إذا كانت نيتك صادقة، وكان هدفك رضا الله، فستجد أن حفظ القرآن يصبح سهلًا عليك، وأن الله يعينك ويثبتك على هذا الطريق. المهم هو أن تخلص النية لله، وتدعوه دائمًا أن يوفقك في حفظه، وأن يجعل القرآن ربيع قلبك، ونور صدرك، وجلاء همك.
التحدي الأكبر في حفظ القرآن هو الاستمرارية. من يحفظ القرآن بنية الامتحانات قد يتوقف عن المراجعة بعد انتهاء الامتحان، لكن من يحفظه لله يحرص دائمًا على مراجعته وعدم التفريط فيما حفظه. النبي ﷺ قال: "تَعَاهَدُوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها". أي أن القرآن يحتاج إلى مراجعة مستمرة حتى لا يُنسى، وهذا هو التحدي الذي يواجه كل حافظ للقرآن. المراجعة المستمرة تجعل القرآن دائمًا حاضرًا في ذهنك، وتساعدك على تدبر معانيه والعمل به.
الدعاء هو سلاح المؤمن في حفظ القرآن. اسأل الله دائمًا أن يعينك على الحفظ، وأن يثبتك على ما حفظت، وأن يجعل نيتك خالصة لوجهه الكريم. وعليك أن تتذكر دائمًا أن حفظ القرآن هو رحلة طويلة، مليئة بالبركة، وليس مجرد محطة قصيرة للنجاح في امتحان أو الحصول على شهادة.
في النهاية، حفظ القرآن الكريم ليس فقط غاية، بل هو وسيلة لتقربك من الله، وجعل حياتك مليئة بالنور والبركة.