نفحات إيمانية

الشيخ علي محمد علي جنيدي ✔

ذوو الاحتياجات الخاصة من منظور إسلامي: كرامة لا تمييز

علي محمد على عبدالعليم جنيدي
المؤلف علي محمد على عبدالعليم جنيدي
تاريخ النشر
آخر تحديث


✍️بقلم الفقير علي محمد علي جنيدي
✔........

الحمد لله الذي كرّم الإنسان ورفعه، وخلق الخلق متباينين لحكمة بالغة، فجعل فيهم الصحيح والمريض، القوي والضعيف، المبصر والكفيف. لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.

وصلى الله وسلم على نبي الرحمة محمد بن عبد الله، الذي جسد الإنسانية والرحمة في أقواله وأفعاله، فكان ناصرًا للضعفاء، وراعيا لحقوقهم، ومؤكدًا على كرامتهم.

الإسلام والعدالة في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة

الإسلام جاء برسالة شاملة لا تُقصي أحدًا. وقد وضع مبدأ المساواة بين البشر، لا يفرق بين غني وفقير، قوي وضعيف، معافى ومبتلى. قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].

الإعاقة لا تُنقص من قيمة الإنسان، ولا تسلبه كرامته أو حقوقه. بل قد تكون سببًا في رفعة درجته عند الله، إن صبر وشكر.

تصحيح المفاهيم الخاطئة

قبل الإسلام، كانت النظرة إلى ذوي الإعاقات مليئة بالخرافات والتمييز، فكان يُنظر إليهم كعبء على المجتمع. جاء الإسلام ليرسخ أن المعيار الحقيقي هو التقوى والعمل لا الشكل أو القدرات الجسدية. قال النبي ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

الابتلاء في الإسلام ليس انتقاصًا

البلاء سنة من سنن الله. كل إنسان معرض له، ولكن ذوي الاحتياجات الخاصة يتحملون نوعًا خاصًا من الابتلاء. والنبي ﷺ قال: "إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم...".

فالابتلاء ليس عقوبة بل اختبار ورفعة. الله ينظر إلى الصبر والرضا، ويجازي عليهما خير الجزاء.

نماذج من القرآن الكريم

  • أيوب عليه السلام: ابتُلي في جسده، فصبر، فكان مثالًا في التسليم.

  • يعقوب عليه السلام: فقد بصره من الحزن، ومع ذلك لم يفقد ثقته بالله.

القرآن الكريم لا يتجاهل أصحاب الإعاقات، بل يبرزهم كنماذج عظيمة في الصبر والثبات.

الرسول ﷺ ورعايته لذوي الاحتياجات

النبي ﷺ تعامل مع ذوي الاحتياجات باحترام وتقدير.

  • عبد الله بن أم مكتوم: أعمى، ومع ذلك كان مؤذنًا للنبي، وولاه إدارة المدينة.

  • جُليبيب: كان يعاني من تشوهات خلقية، زوجه النبي ﷺ بنفسه، وأثنى عليه بعد استشهاده.

لم تكن إعاقتهم سببًا في إقصائهم، بل أعطاهم النبي مكانة مرموقة.

التكاليف الشرعية مرنة وعادلة

الإسلام يراعي قدرات الإنسان:

  • المريض يُرخص له في الصوم.

  • من لا يستطيع القيام يُصلي جالسًا.

  • من لا يقدر على الجهاد يُعذر.

قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا). هذا يجعل التشريع الإسلامي واقعيًا ورحمة لكل الناس.

حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام

  1. الحق في التعليم

    • يجب توفير مناهج مناسبة، ووسائل تعليمية مبسطة.

  2. الحق في الكرامة والاحترام

    • يمنع الإسلام السخرية أو التقليل من شأنهم.

  3. الحق في العمل

    • يُحثّ ذوو الاحتياجات على العمل، ويجب تأهيلهم ومساعدتهم.

  4. الحق في الزواج

    • لا يجوز منعهم من الزواج بسبب الإعاقة.

  5. الحق في الرعاية الصحية والاجتماعية

    • من واجب المجتمع والدولة توفير العلاج والرعاية.

  6. الحق في الدمج المجتمعي

    • يجب إشراكهم في الحياة العامة دون تمييز.

مسؤولية المجتمع المسلم

  • التوعية بأهمية قبول ذوي الاحتياجات.

  • تهيئة البيئة التعليمية والمهنية لهم.

  • توفير الدعم النفسي والمادي.

  • تعديل المرافق العامة لتناسبهم.

  • سنّ القوانين التي تضمن حقوقهم وتحميهم من التمييز.

أمثلة مشرقة من التاريخ الإسلامي

  • عطاء بن أبي رباح: فقيه مشهور، وكان مصابًا بإعاقات جسدية.

  • أبو العلاء المعري: شاعر وفيلسوف كفيف.

  • عبد الحميد كشك: داعية بارز، وكان كفيفًا، وتأثيره لا يزال ممتدًا.

وسائل نشر الوعي

  • خطب الجمعة.

  • مناهج التعليم.

  • وسائل الإعلام.

  • القصص الهادفة.

  • دور الأسرة.

دور الأسرة المسلمة

  • غرس الثقة في نفوس الأبناء.

  • تشجيعهم على الاستقلالية.

  • تعزيز مهاراتهم.

  • عدم مقارنتهم بالآخرين.

  • تقبلهم كما هم.

وصية نبوية

قال النبي ﷺ: "من فرّج عن مسلم كربة، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".

ذوو الاحتياجات يواجهون كربات يومية، فمن خدمهم نال هذا الأجر العظيم.

الخاتمة

الإسلام أعطى الإنسان كرامته دون النظر إلى جسده أو قدراته. ذوو الاحتياجات الخاصة لهم الحق في الحياة الكريمة، والعمل، والعلم، والاحترام.

واجب علينا دعمهم، وتوفير كل ما يعينهم على العيش بكرامة هم أهل للصبر والإنجاز، ولهم مكانة عند الله وعند المجتمع.

فلنكن معهم لا عليهم، ولنفتح أمامهم الأبواب، ولنمنحهم الفرص، فذلك من صميم ديننا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعليقات

عدد التعليقات : 0