نفحات إيمانية

الشيخ علي محمد علي جنيدي ✔

مصر ومعبر الأنبياء في ضوء التاريخ والوحي

علي محمد على عبدالعليم جنيدي
المؤلف علي محمد على عبدالعليم جنيدي
تاريخ النشر
آخر تحديث

 


✒بقلم الفقير علي محمد علي 

الحمد لله الذي أيَّد الحق بنصره، ورفع راية العدل بسلطانه، وأكرمنا بالإسلام، وهدانا لنوره المبين، وجعل من ديارنا أرضًا مباركة لها مكانة في القرآن والسنة، نحمده على نعمه الظاهرة والباطنة، ونشكره على عطاياه المتجددة، ونسأله الثبات على طريق الحق. والصلاة والسلام على سيدنا محمد، رسول الهدى والرحمة، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

في هذه السطور، نُسلط الضوء على عيد تحرير سيناء، لا كحدث وطني فقط، بل كقضية ذات جذور دينية وتاريخية عميقة، تتلاقى فيها الجغرافيا بالإيمان، والسيادة بالرسالة. فسيناء ليست مجرد صحراء، بل معبر الأنبياء، ومسرح للوحي، وأرضٌ بارك الله فيها وحولها. ومصر، بلد الأمن والأمان، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، لها مكانة خاصة في قلوب المسلمين، وتاريخها حافل بالنضال والبطولة والرسالة.


مصر في القرآن والسنة: بلد الأمن والكرامة

ذكر الله تعالى مصر في كتابه الكريم في عدة مواضع، قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: 99].

وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ﴾ [الشعراء: 63]، وكان هذا الطريق من سيناء.

كما قال رسول الله ﷺ عن مصر: "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا" (رواه مسلم).

مصر بلد الأنبياء، ومأوى الدعاة، وحصن للإسلام في الشدائد.


سيناء في النصوص الدينية: الأرض المباركة

سيناء ذُكرت في القرآن الكريم باسم "الطور" و"الوادي المقدس". قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ [مريم: 52]، وقال سبحانه: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه: 12].

هذه الآيات تجعل من سيناء أرضًا مقدسة باركها الله، وخصها بنداء من نداءات الوحي.


معبر الأنبياء: سيناء في مسار الرسالات

  1. موسى عليه السلام:

    • تلقى الوحي في طور سيناء.
    • عبر ببني إسرائيل البحر الأحمر إلى سيناء.
    • سار في أرضها، وتلقى الألواح على جبل الطور.
  2. إبراهيم عليه السلام:

    • مر على أرض مصر وسيناء في رحلاته بين العراق والشام ومصر.
  3. يوسف عليه السلام:

    • استُقدم أبوه يعقوب عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر عبر طريق مرَّ بسيناء.
  4. الأنبياء من بني إسرائيل:

    • عاش بعضهم وساروا في هذه الأرض المقدسة، التي كانت ممرا وموطنًا لوحي الله.

التحرير... معنى أعمق من مجرد نصر عسكري

عيد تحرير سيناء ليس فقط استرجاع أرض، بل هو إعادة تأكيد على مكانة هذه البقعة المباركة، ودعوة لحمايتها بالعلم، والعدل، والتنمية، والقيم.

  • نصر أكتوبر ونتائجه السياسية والعسكرية، أعادت الكرامة لمصر والعالم العربي.
  • التحرير الكامل في 25 أبريل 1982 هو يوم السيادة، حين اكتمل خروج الاحتلال من آخر شبر من سيناء.

الربط بين التحرير والجهاد المشروع

قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: 190].

جهاد المصريين لتحرير سيناء لم يكن اعتداءً، بل دفاع عن الأرض والعرض والدين، واستعادة لكرامة الأمة.


أبطال على خطى الصحابة

جنودنا في معارك التحرير كانوا على خُطى الصحابة في بدر ويوم مؤتة.

  • الثبات رغم التفوق العسكري للعدو.
  • النية الصادقة لحماية الأرض.
  • الصبر على الابتلاءات.

التنمية بعد التحرير: عمارة الأرض عبادة

قال الله تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61].

عمارة سيناء جزء من واجب ديني ووطني:

  • استصلاح الأراضي.
  • تطوير البنية التحتية.
  • بناء المدارس والمساجد.
  • إنشاء الجامعات والمراكز البحثية.

سيناء في قلب الأمن القومي

مواجهة الإرهاب على أرض سيناء اليوم صورة من صور الجهاد لحماية الديار من المعتدين.

قال النبي ﷺ: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" (متفق عليه).

حفظ الله مصر ورئيسها وجيشها وشعبها 


مسؤوليتنا تجاه سيناء

  1. غرس الوعي في الأجيال بأن الأرض التي نعيش عليها ليست ملكًا لنا فقط، بل أمانة سنُسأل عنها.
  2. تعزيز الهوية الدينية والوطنية.
  3. دعم مشروعات التنمية في سيناء بالمال والعمل والدعاء.

سيناء في الذاكرة والهوية الإسلامية

نكتب عن سيناء لا لأنها فقط جزء من الجغرافيا، بل لأنها جزء من العقيدة. كل ذرة رمل فيها شهدت نداءات النبوة، وعبرت فيها الرسالات.


الخاتمة

تحرير سيناء ليس حدثًا عابرًا في سجل الانتصارات، بل هو لحظة تُلخص معاني كثيرة: الإيمان، والصبر، والعمل، والتضحية. إن دماء الشهداء التي روت ترابها المبارك، ووحي الله الذي نزل على جبالها، ورسالات الأنبياء التي عبرتها، كل ذلك يجعل من سيناء رمزًا خالدًا في قلوبنا.

فلنحافظ على هذه الأرض كما أمرنا الله، ولنكن جديرين بها كما كان أسلافنا، ولنبنِ حاضرًا ومستقبلاً يليق بتاريخها وقدسيتها.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


تعليقات

عدد التعليقات : 0